أرشيف

المحرومون في سقطرى ينشدون الفرص المتكافئة والعدالة الاجتماعية

كمحافظة في هيئة جزيرة تطل على بحر ومحيط، يكتسب مشهد الثورة الشبابية القائمة في أرخبيل سقطرى خصوصية متفردة كونه يمثل اختزالاً معبراً عن اصطفاف شعبي عفوي لشرائح مجتمع محلي يتسم بالبساطة المفرطة والانحياز لخيارات الجماعة .
تخلت سقطرى عن حيادها العفوي المزمن حيال تحديد مواقفها وخياراتها الحاسمة تجاه كل ما يعتمل على الضفة الأخرى حيث عدن والعاصمة ومقرات الأحزاب وصخب الساسة والإعلام ومد متصاعد لانتفاضة شبابية سرعان ما تحولت إلى ثورة شعبية متصاعدة، ليقرر صيادوها ومزارعوها وهما الشريحتان الاجتماعيتان اللتان يتألف منهما مجتمع الأرخبيل الأكثر بساطة في تركيبته الاجتماعية، تصعيد سقف مطالبهم التقليدية المزمنة التي لم تكن تتجاوز، وحتى ما قبل مطلع شهر فبراير المنصرم الحصول على الحد الأدنى من مشاريع البنية التحتية والخدمية والالتحاق بركب الأغلبية الشعبية المطالبة بإسقاط النظام والانتقال إلى حقبة الدولة المدنية .
واعتبر الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع السياسي الدكتور ياسين مسعود عبدالله القاضي أن مبادرة سكان جزيرة سقطرى بالانحياز الجماعي لخيار الثورة السلمية على النظام السياسي الحاكم يجسد حجم التطلعات المكبوتة لسكان جزيرة تمتلك كل المقومات اللازمة لتأمين مستوى معيشي متقدم وآمن لقاطنيها، ومع ذلك يرزح السواد الأعظم منهم تحت خط الفقر وتهيمن على الجزيرة مظاهر انعزال وتخلف .
قال الدكتور ياسين القاضي: “جزيرة سقطرى تتمتع بكل مقومات الموقع “الجيوبيوليتيكي” المهم، ومع ذلك فإن سكانها هم الأفقر بين سكان اليمن والأكثر حرماناً من أبسط الخدمات العامة . الجزيرة تتمتع بشواطئ لازوردية وطبيعة نادرة وخلابة رشحتها كواحدة من أجمل المحميات الطبيعية في العالم، لكن هذا الجمال يقابله قبح الفقر والعوز، وفي اعتقادي فإن مشهد الثورة القائمة في سقطرى هو أبلغ تعبير عن انتفاضة المحرومين” .
الفقر في سقطرى مشهد تراجيدي مؤثر يتوزع في هيئة حرمان مزمن تعاني منه كل أنحاء الجزيرة المخملية، لكنه يبدو أكثر قسوة وفظاظة في عيون الأطفال والنساء، فالعديد من هؤلاء يقطنون مع عائلاتهم في كهوف متفرقة في أنحاء الجزيرة، فيما تتفرد الأقلية المترفة بالسكن في أكواخ مشيدة من مادتي القش وروث الأبقار والأغنام، والأخيرة تستخدم لتأمين تماسك المسكن من الداخل والخارج بعد إخضاعها لساعات للانصهار في أفران يدوية وبدائية .
من بين مثل هذه المساكن انطلقت الصرخات الثورية المدوية التي حولت سقطرى، الجزيرة مترامية الأطراف إلى ما يشبه “الساحة الكبيرة” التي تكتظ بالمعتصمين والمعتصمات المطالبين بدولة تؤمن الحد المطلوب من الفرص المتكافئة والعدالة الاجتماعية المفتقدة .
وعبر عبدالله محمد عبده الجابي من أهالي مديرية “حديبو” وأحد الناشطين الشباب في الفعاليات الشعبية الثورية القائمة في الجزيرة في تصريح ل”الخليج” عن دوافعه وغيره من السكان للانحياز لخيار الثورة السلمية ضد النظام بالقول: “قبل أربعة أعوام زار الرئيس علي عبدالله صالح جزيرة سقطرى، وقد خرجت أمي وعدد من النساء لاعتراض موكبه وهن يحملن على رؤوسهن صفائح مياه فارغة، وتوقف الرئيس يومها وسأل محافظ حضرموت الذي كان معه فوق السيارة لماذا يحملن صفائح المياه فوق رؤوسهن وهي فارغة فأجابه المحافظ لأنهن يردن أن يوصلن إليك مطالبهن بتوفير مشروع مياه للجزيرة” .
واستطرد عبده الجابي: “يومها ضحك الرئيس وتعهد بتوفير المشروع خلال ثلاثة اشهر لكنه لم يف بتعهده، فقد مرت أشهر طويلة بعد تلك الزيارة وكلنا كنا ننتظر وصول معدات تنفيذ المشروع، لقد كذب الرئيس على أمي والنساء الأخريات اللاتي اعترضن موكبه، لذلك أنا وغيري مع الثورة وإسقاط حكم علي عبدالله صالح” .
تنفرد سقطرى بحيوية الحراك الثوري في أوساط سكانها البسطاء الذين توزعوا نساء ورجالاً في العديد من الساحات العامة بمديرياتها المتفرقة لتشهد ذات الساحات فعاليات احتجاجية يومية تتصدرها الهتافات واللافتات والشعارات المتسقة مع مثيلاتها في الساحات الثورية الأخرى الممتدة على خريطة 16 محافظة أخرى والتي اتحدت في مجملها في التعبير عن تطلعات شعبية في إحداث التغيير السلمي للنظام القائم وإعادة صياغة اليمن الجديد وفق منظور مدني يرتكز على بناء الإنسان واستثمار قدراته المعطلة .
اعتبر الناشط الاجتماعي في جزيرة سقطرى أديب عبدالرب السقطري في تصريح ل”الخليج” أن “الروح الثورية التي تجتاح اليمن من أقصاه إلى أقصاه غيرت الكثير في نفوس وعقول واهتمامات سكان سقطرى، فلم تعد قصص الصيادين تستهوي الكثيرين من سكان الجزيرة بقدر حرصهم على متابعة تفاصيل أحداث ويوميات الثورة المتصاعدة التي تشهدها المدن الأخرى .

زر الذهاب إلى الأعلى